ابن العوام | صاحب "الفلاحة" التصنيف الباهر في الزراعة وتربية الماشية

 

يعد الميدان الزراعي - من أكثر المجالات المهمة للبشرية التي شهدت تقدما وتطورا كبيرين ، لكن هذا التطور الهائل الذي شهده هذا الميدان على صعيد ضخامة الإنتاج وتنوعه، لم يكن ليتحقق لولا جهود الحضارات السابقة، خاصة الحضارة الإسلامية حيث نبغ في هذا الحقل عدد من العلماء المسلمين أغلبهم في الأندلس، ومن بين تلك الأسماء المرموقة، العالم الإشبيلي أبو زكريا يحيى بن محمد بن أحمد الشهير بابن العوام، وهو من الأعلام المشهود لهم بالبراعة. لا سيما فيما اتصل بالطب والزراعة، ومن أصحاب المواهب النادرة والمعارف الجامعة، خلف من العلم النفيس والمآثر الحميدة إرثا عظيما، مهد السبيل لتقدم علم الزراعة والنبات في الشرق والغرب. 

غموض كبير يلف تاريخ مولد ابن العوام وحياته، ولا يعرف سوى أنه عاش في القرن السادس للهجرة - في إشبيلية. للثاني عشر للميلاد.

درس العلوم على اختلافها وكان من أعلام الطب. إلا أن شهرته العظيمة نالها من تضلعه في علوم الزراعة، حيث أولى عنايته بالأبحاث الزارعية فدرسها في كتب الإغريق واليونان والرومان، فانتفع بذلك أهل الأندلس والأوروبيون من بعده. وهو ما جعل الأندلس في العهد الإسلامي توصف بجنة الدنيا لانتشارهذا الفن فيها.

كتاب الفلاحة

-اشتهر ابن العوام بكتابه "الفلاحة الأندلسية" والذي عُثِر عليه في مكتبة الاسكوريال في القرن الثامن عشر، وهو موسوعة تاريخية نفيسة فى علم النبات ألفه بناء على الكتب العربية التي صنفت في هذا الباب من قبله. خاصة كتاب الفلاحة لابن بصال الطليطِلي، كما نقل عن الفقيه الإمام أحمد بن محمد بن حجاج في كتابه المقنع الذي ألفه سنة ست وستين وأربعمائة. وعن كتاب الشيخ محمد بن إبراهيم بن الفاضل الدينوري الأندلسي، كما نقل أيضا عن كتاب الحكيم الشيخ أبي الخير الأشبيلي، وكتاب غريب بن سعد، وأيضاً عن كتاب الفلاحة النبطية المشهور لابن وحشية، كما بنى هذا العمل كذلك على ما نقله عن عدد من حكماء الحضارات القديمة كيوْنيوس ، وديموقراطيس الرومي، وأنتوليوس وأرسطو طاليس وجالينوس وغيرهم، فكان كتابه هذا البقية الباقية من ذلك التراث العظيم الذي خلفه حكماء الأندلس وغيرهم من المتقدمين.

 قال في أوله: "أما بعد فاني لما قرأت كتب فِلاحة المسلمين الأندلسيين، ومن كتب غيرهم من القدماء المقدمين في صنعة فلاحة الأرَضين المضمنةُ كيفيةُ العمل في الزراعة والغراسة، ولواحقُ ذلك، وما يتعلق به من كتبهم في فلاحة الحيوان، وما وصل إلي منها فنقلت من عيونها الى هذا التأليف..."

لكن ابن العوام لم يكن مجرد جسر ناقل لمعارف العالم القديم، بل أسهم بدوره في سقي شجرة المعرفة اليانعة، فقد أدخل تحسينات على طرق الحرث والغرس معتمدا على معارفه الخاصة التي استخلصها من تجاربه المباشرة وتطبيقاته العملية، في قطعة ارض في جبل الشَّرف القريب من أشبيلية، وهناك كان يراقب ويجرب ويقيد ملاحظاته عن أنواع النبات وأساليب الزراعة.

" ولم أثبت فيه شيئا إلا ماجربته مرارا فصح" ج1 ص282

فجاء كتابه مشتملا على خمسة وثلاثين بابًا على جزأين، قدم فيه عرضا مستفيضا للفنون الزراعية واختيار البذور والغراس الصالحة والمواسم الملائمة لزراعة كل صنف، وكيفية العمل في الزراعة والغراسة، وتسميد الأرض وإصلاحها، وغير ذلك مما يؤدي إلى جودة الأرض ووفرة المحصول، وقد عدّد منه 585 نوع من النباتات، منها أكثر من خمس وخمسين من الأشجار المثمرة. 

"... من يريدُ أن يتخذ هذا الفن صنعة يصل بها بحول الله إلى معاشه ويستعين بها على قوته وقوت عياله وأطفاله، وجد فيه حاجته، وبلغ فيه إرادته، واستعان بذلك على منافع دنياه ومصالح أخراه بتوفيق الله إياه؛ إذ بالغراسات والزراعات تكثر بمشيئة الله الأقوات، وقيل إن إلى ذلك أشار النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (اطلبوا الرزق في خبايا الأرض) . "


بإمكانك الحصول على النسخة الورقية مترجمة للإنجليزية لكتاب الفلاحة عبر الرابط 

النسخة العربية مجانا بصيغة PDF من هنا  الرابط 

- تناول القسم الأول (16) باباً مخصصاً لدراسة أنواع التربة، ومعرفة ما يَصلح أن يُزرع في كل نوع منها، وأنواع الأسمدة وطرق تجهيزها وبيان منافعها للأرض والشجر، وعن السقي وأنواع المياه التي يكون بها، واختيار الأشجار وأنواع الثمار وأوقات غراسها، وتطعيم الأشجار وتلقيحها، ثم علاجها من الآفات، واختزان الحبوب والفواكه الغضة واليابسة، وصفة العمل في الغراسة والتركيب والسقي، والعوامل المؤثرة في الزراعة عامو والأشجار خاصة. وما يتصل بذلك.

 - أما القسم الثاني فاشتمل على 19 باباً حول المزروعات الفصلية كالقطاني والأرز والفول والبقول، وفي زراعة الكتان والقنب والقطن، وفي النباتات المستعملة في الأدوية كالكمُّون والكَرَوْياء، والكُزْبُرَة والخَرْدَلْ والحناء، وكذا النباتات التزيينية كالأحباق والرياحين، والنيلوفر، والبهار ‏Buphthalme، والنرجس، والنسرين والبنفسج، بالإضافة إلى طرائقِ تربية الماشية والعناية بها وعلاجها ودراسةُ صفاتها التشريحيةِ ومعالجةُ أعضائها وأمراضها ، ويخصص خلال هذه الدراسة فصلا عن الخيل وصفاتها وكيفيةُ تربيتها وركوبها بسلاح أو بغيره، ثم يتحدث بعد ذلك عن الطيور كالحمام، والإوز، والبَرَكِ Canard، والطواويس، والدواجن وما يتصل بتربيتها والعناية بها، ومعرفة الجيد منها، وسياستها وتدبيرها. ثم أتى ذكره على النحل والمناحل، وفصل في اقتناء الكلابِ المباحُ اتخاذها للصيد والزرع والماشية، ومعرفةُ جيدها وعلاجُ أدوائها وكلُ ما تعلق بها. ويبدي في ذلك كلِه كثيراً من الاستيعاب والدقة والوضوح.

، ترجم قسم من هذا الكتاب إلى اللغة الإسبانية عنى بها العلامة. بانكيري الفرينسيسكاني سنة 1802م في مدريد، وعام 1878م في أشبيلية، وترجم إلى الفرنسية من قبل الاستاذ كليمان مولـله في جزاين وطبع في باريس سنة 1865، كما ترجم كذلك إلى اللغة الإيطالية.

. اعتبر المستشرق الأسباني خوسيه ماريا ملياس فاليكروساً كتاب "الفلاحة" لابن العوام قمة التأليف الأندلسي في هذا الموضوع، وقال ما ملخصه:

 "إنه مؤلف ضخم جمع فيه كل المعارف الزراعية في العصور الوسطى، وكان له أعظم الأثر في هذه العلوم في القارة الأوربية"

ولم يتردد ماكس مايرهوف في التصريح بأن هذا الكتاب يعد أحسن الكتب العربية في العلوم الطبيعية، وعلى الأخص في علم النبات.

-ولابن العوام أيضا رسالة في  "تربية الكرم - ط"  نشرها الاستاذ منكادا في استوكهلم سنة 1889 و "عيون الحقائق وإيضاح الطرائق - خ"  في شستربتي

أما رام لاندو فيذكر في كتابه "علماء العرب في الحضارة":

"ابن العوام من علماء القرن الثاني عشر الميلادي المرموقين في حقل الزراعة والنبات. لقد احتوى كتابه ( الفلاحة ) على 585 نبتة مختلفة، كما أن فيه وصفاً لكل واحدة، مما جعل إسبانيا مصدراً زراعياً لجميع القارة الأوروبية ومن ثم الولايات المتحدة الأميريكية..."

ويذكر لوسيان لكليرك في كتابه  تاريخ طب العرب:

 "إن ابن العوام كان عملاقاً في حقل الفلاحة ، فقد قدم للإنسانية من المعارف التطبيقية ما تحتاج إليه. كما أن إنتاجه يتسم بالتوثيق التاريخي الذي يهتم به علماء القرن العشرين الميلادي، فهو عاش في القرن الثاني عشرولكن بعقلية القرن العشرين الميلادي"

ABDS

إرسال تعليق

أحدث أقدم
Update cookies preferences