ابن طفيل الطبيب الفيلسوف الذي جمع الطب في قصيدة

 

موسوعي فذ ليس له نظير. أتقن من العلوم الكثير. من اللغة والشعر والفلسفة. إلى الطب والعلاج والجراحة. فسطع نجمه، وذاع صيته. وبلغت شهرته الآفاق البعيدة.

من هو ابن طفيل؟

أبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد بن طفيل القيسي، من أهل وادي آش الواقعة على بعد 55 كيلو مترا عن قرطبة، ولم يحدد تاريخ مولده بالتحقيق. فقدر ميلاده ما بين عامي 495 و505 هـجري.

مسيرة ابن طفيل:

درس ابن طفيل الحديث واللغة، والفقه، والعلوم العقلية والطب، على أبي محمد الرُّشاطي، وعبد الحق بن عطية وغيرهما من أقطاب العصر. وبرز في تلك العلوم وترك فيها آثارًا، ولكنه مال إلى الحكمة وعلوم الأوائل، إذ برع في الفلسفة. وكان عالماً محققاً، شغوفاً بالحكمة المشرقية. متصوفاً، طبيباً ماهراً في أصول العلاج. حاذقا بصناعة الطِّبّ والجراحات. وفقيهاً وكاتباً بليغاً، ناظماً ناثراً. وعمل بالكتابة. حيث كان يكتب لرؤساء غرناطة، فكتب لوالي غرناطة الموحدي. وتقلب في وظائف عدة، ومع نبوغه وسطوع نجمه تولَّى الحجابة (كبير الوزراء) في بلاط غرناطة، ومع ازدياد صيته، استدعاه خليفة دولة الموحدين أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن ليكون وزيره وطبيبه الخاص؛ إذ كان أبو يعقوب ممن شُغِفُوا بالعلم والفلسفة.

"وكان أمير المؤمنين أبو يعقوب شديد الشغف به والحب له. بلغني أنه كان يقيم في القصر عنده أياماً ليلاً ونهاراً لا يظهر" [عبد الواحد المراكشي]

وكان السلطان فضلا عن ذلك يندبه لبعض المهام الخلافية الدقيقة. من ذلك أن عهد إليه بالسعي لتأليف طوائف العرب، وترغيبهم في الجهاد، وفي سبيل ذلك وضع ابن طفيل، قصيدته الشهيرة، يهيب فيها بالعرب أن ينهضوا للمشاركة في الجهاد.

أقيموا صدور الخيل نحو المضارب ... لغزو الأعادي واقتناء الرغائب

واستغل ابن طفيل مكانته ليجلب إليه العلماء من جميع الأقطار، وينبه الخليفة عليهم، ويحضه على إكرامهم والتنويه بهم، وهو الذي نبهه على تلميذه أبو الوليد بن رُشْد؛ بأن نوه بفضله وبراعته لدى الخليفة حتى علت مكانته لديه.

مؤلفاته:

  كان لموسوعية ابن طفيل بصمة خاصة على مؤلفاته، إذ استطاع بموهبته في الشعر أن يصوغ خبرته الطبية في قصيدة بلغت أكثر من سبعة آلاف وسبعمائة بيت، وهي ما زالت مخطوطة وموجودة في مكتبة القرويين بفاس تحت برقم (3158).

  ومن آثاره أيضا: رسالة " حي بن يقظان "وهي تلخيص فلسفي لأصل الطبيعة والخليقة، عرضت خلال حياة طفل أسماه" حي" وقد استطاع هذا الطفل بالملاحظة والتأمل التدريجي لظروف الحياة، ومظاهرها الطبيعية، أن يصل إلى أسرار الطبيعة، والحكمة العليا. وأن يتقرب في تأمله من الله. وبالرغم من صغر حجم هذه الرسالة الفلسفية، إذ لا تزيد عن خمسين صفحة، إلا أنها لفتت أنظار النقد الحديث. وترجمت إلى اللاتينية منذ القرن السابع عشر. كما ترجمت بعد ذلك إلى لغات أخرى.
وإذا كان قد جمع الطب بالشعر في قصيدة، فسنراه يصوغ الطب وتتبدَّى خبرته في جانب التشريح في هذه الرسالة الفلسفية نفسها، فقد شرح على لسان بطل قصته، تشريح الغزالة. وبَيَّنَ وصف الأعضاء التي شاهدها من الجلد حتى القلب.

  وبين ابن طفيل وابن رشد مراجعات ومباحث، في رسم الدواء جمعها ابن رشد في كتاب "رسالة في النفس " 
  ويُثبت المترجمون لابن طفيل تآليف متنوعة في الطبيعيات والفلسفة والطب والفلك، حتى إن له نظرية في الفلك خالف فيها بطليموس، وغيرها من المؤلفات والرسائل المفقودة.

  كما كانت لابن طفيل أشعار كثيرة أورد عبد الواحد المراكشي نماذج منها.

ما كل من شم نال رائحــة ... للناس في ذا تباين عجـــــــبُ
قوم لهم فكرة تجول بهــــم ... بين المعاني، أولئك النُجُــــبُ
وفِرقة في القشور قد وقفوا ... وليس يدرون لُبَّ ما طلبُــــوا
لا غاية تنجلي لناظرهــــمْ ... منه ولا ينقضي لـــــهم أَرَبُ

يا باكيًا فُرقة الأحباب عن شحَـــطٍ ... هلَّا بكيتَ فِراق الروح للبـــدنِ
نورٌ تردد في طين إلى أجــــــــــل ... فانحاز عُلُوًّا وخلى الطين للكفنِ
يا شد ما افترقا من بعد ما اعتلقــــا ... أظنها هدنة كانت على دَخَــــنِ
إن لم يكن في رضا الله اجتماعهما ... فيا لها صفقة تمت على غَبَــنِ

وفاة ابن طفيل:

  لما توفي الخليفة أبو يعقوب يوسف في ربيع الآخر سنة ثمانين خمسمائة للهجرة 580هـ عقب نكبة جيشه في موقعة شنترين. استمر ابن طفيل في منصبه طبيبا خاصا لولده الخليفة الجديد أبي يوسف يعقوب المنصور. ولكنه لم يعش بعد ذلك طويلا. إذ توفي فِي مراكش سنة 581 للهـجرة، وَحضر السُّلْطَان جنَازَته.

شاهد الحلقة على يوتيوب