كان المعتقد لدى الأقدميين أن الأرض هي مركز العالم وأن القمر والشمس وبقية السيارات تدور حولها. فيما تدور الأرض حول نفسها مرة كل يوم وهكذا يتعاقب الليل والنهار، وهذه النظرية تسمى نظرية بطليموس نسبة إلى الفلكي اليوناني الشهير الذي عاش في القرن الثاني للميلاد صاحب أول كتاب في علم الفلك "المجسطي"
بقيت نظرية بطليموس هذه إلى أن جاء عام 420هـ / 1029 م حاملا معه ميلاد الإمام العلامة أبو إسحاق ابراهيم بن يحيي التجيبي الزرقالي في طليطلة الأندلس.
من أعظم راصدي الفلك في عصره، وكان في استنباط الآلات وحيد عصره وبديع زمانه.
شمس الدين الذهبي: " كان واحد عصره في علم العدد والرصد، وعلل الأزياج. لم تخرج الأندلس أحدًا مثله، مع ثقوب الذهن والبراعة في عمل الآلات النجومية"
تلقى تعليمه في مدينة طليطلة، فنبغ في الفلك والرياضيات. كما عمل نقاشا إذ كان ينتمي لعائلة من الحرفيين المهرة، لذا عرف بالنقاش، فكان لهذا العمل بالغ الأثر في حيازته للسبق في علم الفلك التطبيقي الذي جمع فيه بين القيمة العلمية والذوق الفني.
صمم الزرقالي ساعة مائية لم تقتصر على تحديد ساعات الليل والنهار، بل كانت تشير أيضا إلى أيام التقويم الهجري.
كما ساهم الزرقالي أيضًا في حساب الأزياج الطليطلية بناء على أرصاده التي قام بها في طليطلة من عام 1060ٍ إلى عام 1080م. والتي تعتبر من أدق حسابات البيانات الفلكية حينها، ويطلق عليه اسم «الصحيفة الزيجية». ويحتوي هذا العمل العبقرى على مجموعة من الجداول تسمح للمستخدم بمعرفة ميعاد بدء الأشهر الإسلامية والفارسية والرومانية والقبطية، وتتنبأ الجداول أيضًا بخسوف القمر وكسوف الشمس وتسمح للفرد بمعرفة مواقع الكواكب في أي يوم محدد. وقد ذاعت في أوروبا ذيوعا عظيما
ومن أعماله الرائدة في الجغرافيا الفلكية. قياسه لطول البحر الأبيض المتوسط قياسا دقيقا حيث وجد طوله 42 درجة وهو رقم قريب جدا من قيم القياسات الحديثة. وهو أول من قال بدوران الكواكب في مدارات بيضاوية. كما كان أول من أثبت بشكل قاطع أن هناك تقدمًا صغيرًا في مدار الأرض بالنسبة للنجوم. قدرها بـ (12.04) ثانية قوسية سنويًا، وهي ملاحظة دقيقة وقريبة بشكل ملحوظ من القيمة الحديثة البالغة 11.8 ثانية.
وكان من العيوب الرئيسة لآلة الاسطرلاب التي طورها المسلمون أن استخدامها يكون مقصورًا على موقع وحيد، ولتجاوز ذلك جزئيًا كان يتم توفير مجموعة صفائح للمواقع المختلفة. وجاء حل هذه المشكلة على يد «الزرقالي» عندما ابتكر اسطرلابا فريدا قابلا للاستخدام في جميع المواقع، هو نوع جديد من الأسطرلاب المسطح اشتهر باسم "الصفيحة الزرقالية" حظيت بأهمية كبيرة. وقدمت خدمة جليلة للعلماء في ميدان الرصد. وفي القرن الخامس عشر، نشر راجيومونتانوس كتابا يبين فيه مجمل فوائدها. وقد نُشرت تفاصيله باللاتينية والعبرية والعديد من اللغات الأخرى. De Revolutionibus Orbium Coelestium،
![]() |
الصفيحة الزرقالية |
وكان الزرقالي أول من قال بأن الشمس هي مركز الكون، وأننا بأرضنا مع بقية السيارات الأخرى ندور حولها، مخالفا بذلك نظرية بطليموس التي سادت لقرون، ولكن قوله هذا لم يشتهر. إلى أن جاء العالمُ الجليلُ أبو الحسنِ علاء الدين الأنصاري المعروف بابن الشاطر (777هـ 1375م) مؤكدا ما قاله الزرقالي، موردا الدلائل الكثيرة عليه. وبقيت مع ذلك نظرية بطليموس هي السائدة، حتى ظهر كوبرنيكوس عام (949هـ 1543م) وقال ما قال الزرقالي، وانتشر رأيه الجديد الذي سمي الثورة الكوبرنيكية"، وهو بنفسه يعترف أنه أخذ هذه النظرية من الزرقالي الأندلسي، وقد صارت اليوم هذه النظرية حقيقةً سائدةً ومحل إجماع لدى سائر العلماء بلا نزاع.
ول ديورانت: " وأصبح اسم إبراهيم الزرقالي (١٠٢٩ - ١٠٨٧) أحد علماء طليطلة من الأسماء العالمية، لأنه حسن الآلات الفلكية؛ وينقل كوبرنيك فقرات من رسالته عن الاسطرلاب، وكانت أزياجه الفلكية خير الأزياج كلها في زمانه، وقد استطاع بها أن يثبت لأول مرة في التاريخ حركة الأوج الشمسي بالنسبة للنجوم."
وقد ألف الزرقالي تآليف أخرى عديدة منها:
كتاب "التدبير" ومازال مخطوطا. وكتاب "المدخل في علم النجوم" و"رسالة في طريقة استخدام الصفيحة المشتركة لجميع العروض" .
في عام 1085م يضطر الزرقالي لمغادرة طليطلة حين غزاها الصليبيون بقيادة الملك ألفونسو السادس، فكانت وجهته أولاً إلى قرطبة ثم إلى إشبيلية. وبها كانت وفاته في ذي الحجّة عام 480هـ / 1087م.
كان لمؤلفات الزرقالي تأثير كبير على الفلكيين الإسبان الذين وضعوا الزيج المعروف باسم "ألفونسية"، نسبة إلى ألفونسو ملك قشتالة، الذي أمر بعد 200 سنة على وفاة الزرقالي ، بترجمة كل آثاره.
قال عنه القفطي:" أبصرُ أهلِ زمانه بأرصاد الكواكب وهيئة الأفلاك، واستنباط الآلات النجومية"
قال فيه ابن الأبار: "ولم تأت الأندلس بمثله، آخر أرصاده بقرطبة، وكان أكبر رصده قبل ذلك بطليطلة في أيام المأمون"