تقي الدين الشامي الدمشقي الراصد، المخترع المبدع

علامة موهوب، سمو فضله معروف، وشمس معارفه لا يعتريها كسوف.

محمد بن معروف بن أحمد بن محمد تقي الدين الدمشقي الأسدي الراصد، مولده سنة 930 هـ 1526م في دمشق، ورُجح أنه تتلمذ في الحساب على يد الشيخ شهاب الدين الغزّي، وفي الهيئة على يد محمد بن أبي الفتح الصوفي.

وقرأ على أبيه وهو ممن قام الإجماع على كمال علمه وفضله فقد كان منتصبا للإفتاء والتدريس نحو عشرين سنة بدمشق، وفيها تقلد القضاء. كما قرأ تقي الدين على الشيخ قطب الدين بن سلطان والشيخ شمس الدين محمد بن طولون والسيد كمال الدين بن حمزة، ثم ارتحل إلى الروم سنة 960 هـ وقرأ بها على شيوخ منهم: المولى عبد الرحمن القاضي وصار ملازما له، ثم ولي منصب التدريس والمشيخة في مصر واستمر في خدمة العلوم إلى أن عين بدوره للقضاء، ثم اتصل بالصدر الأعظم علي باشا سنة 1560م، وعمل في خدمته، ويبدو أن هذه هي الفترة التي كتب فيها تقي الدين كتابه –"ريحانة الروح في رسم الساعات على مستوى السطوح"، مفيدا من مكتبة حاكم مصر علي باشا التي كانت تضم عددا كبيرا من الساعات المعقدة والمتقنة الصنع المستوردة من أوروبا. 

  "وكنت في مدة إقامتي في خدمة صاحب الدولة والمجد... حضرة علي باشا... أتأمل ما في خزانته المعمورة من تلك الآلات المختلفة الأوضاع، وما حوته من الفوائد التي لا تدرك بالاصطرلابات ولا بالأرباع، وانظر في ذلك حق التأمل والنظر... وكنت مع ذلك أباحث الحُذَّاقَ من أرباب هذا العلم من سائر الأديان، وأجتني ثمار فوايده الدانية القطوف والأفنان، إلى أن انتقش عندي ما فيها من رسوم، وظهر لي جميع أصولها المبنية عليها من ظاهر ومكتوم، وصار عندي من ذلك ما لم يجتمع لأحد ممن يتعاطى هذا الفن في ديار الإسلام، ولم يشتهر به بشر من الخواص والعوام ".

 ودفعه شغفه بتلك الأجهزة إلى دراستها دراسة دقيقة، لتحصيل المعرفة التامة بتفصيلاتها وميكانيكية عملها. وهذا هو العلم الذي سمي بعلم البنكامات، علم تصميم الآلات الدورية (automata) ذات الحركات التلقائية المتكررة وصناعتها، بما فيها الساعات، وغاية هذا العلم كما ذكر تقي الدين معرفة أوقات الصلوات من غير ملاحظة حركات الكواكب، وكذلك معرفة الأوقات المفروضة للقيام في الليل، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ويحتاج الحذق بهذا العلم إلى إتقان علوم عدة رياضية وطبيعية،. كما يحتاج إلى قوة تصرف ومهارة في كثير من الصنائع كالصياغة والحدادة والنجارة والسمكرة وغيرها.

ثم أتى القسطنطينية في عام 1570 ودخل في خدمة المولى سعد الدين أيام السلطان سليم الثاني، فباشر الرصد إلى أن تولى عام 1571 منصب رئيس الفلكيين خلفا لمصطفى بن علي الموقت المتوفى. وفي أيام السلطان مراد، سعى تقي الدين إلى إنشاء مرصد فلكي وحصل على موافقة السلطان وديوان الوزراء، وجرى العمل على إنشاء المرصد في القسم الأوروبي من المدينة في مكان مرتفع مطل على موقع يدعى توبخانة من الجهة الجنوبية. فأصبح المرصد في عام 1577 جاهزا للمباشرة بأعمال الرصد. 

برع تقي الدين كغيره من الفلكيين المسلمين بالعلوم الرياضية، و برز اهتمامه بالآلات الميكانيكة في الأعمال الرصدية لزيادة الدقة العلمية. فألف كتاب "الكواكب الدرية في البنكامات الدورية"

وكذا كتاب "الطرق السنية في الآلات الروحانية" وذلك على ستة أبواب الأول : في البنكامات (الساعات) وذكر فيه من الآلات حق القمر، وهي كما يصفها تقي الدين

 " آلة مجوفة الوسط مشتملة على دواليب تدور في جوفها وعقرب يدور على ظاهرها وحول العقرب سبعة أقسام مكتوب فيها أسماء الأيام السبعة على التوالي. وفي بقية سطحها خرق مستدير، يظهر منه زيادة نور القمر ونقصانه. ويقابله خرق آخر يظهر منه كم مضى من الشهر..."

وجعل الباب الثاني: في آلات جَرِّ الأثقال، والثالث: في حيل إخراج الماء إلى جهة العلو: فمما اشتمل عليه هذا الباب وصف لمضخة ذات أسطوانتين متقابلتين والتي اعتبرت إنجازا باهرا في تاريخ الهندسة الميكانيكية، حيث أنها تعتبر الأصل الذي تطور عنه المحرك البخاري. وقد وصف ابن الرزاز الجزري أيضا مضخة مثيلة في كتابه الشهير "العلم والعمل "والباب الرابع في علم الزمر الدايم والنقارات. أما الباب الخامس: فكان في أنواع شتى من اللطائف، وتضم إحدى عشرة حيلة. ثم الباب السادس: في عمل السيخ الذي يوضع فيه اللحم على النار، فيدور بنفسه ذاتيا.

وله في الفلك والهيئة تآليف كثيرة فاقت الحصر منها: 

الأبيات التسعة في استخراج التواريخ المشهورة وشرحها - في الهيئة.

أرجوزة للجيب والضرب والقسمة - في الهيئة

الثمار اليانعة من قطوف الآلة الجامعة - في الهيئة

رسالة في سبب تأخر غروب الشمس

رسالة في أوقات العبادات - في الهيئة

رسالة في علم الميزان الطبيعي - في الهندسة

نور حديقة الأبصار ونور حقيقة الأنظار - في الهيئة والهندسة 

وله في الطب: كتاب ترجمان الأطباء ولسان الألباء وغيرها الكثير من التآليف.

وكانت وفاته بإستانبول في 15 من صفر سنة 993/ 1585م

ABDS

إرسال تعليق

أحدث أقدم
Update cookies preferences